هذا هو شرح لحديث عظيم، رواه مسلم في الصحيح من حديث تميم الداري، يقول ﷺ: (الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) فهو حديث عظيم يدل على أن الدين هو النصيحة، وذلك يدل على عظم شأنها؛ لأنه جعلها الدين، كما قال النبي ﷺ: الحج عرفة، فيدل هذا الحديث على أن النصيحة هي الدين، وهي الإخلاص في الشيء والصدق فيه حتى يؤدى كما أوجب الله.
فالدين هو النصيحة في جميع ما أوجب الله، وفي ترك ما حرم الله، وهذا عام يعم حق الله وحق الرسول وحق القرآن وحق الأئمة وحق العامة. والنصيحة كما تقدم هي الإخلاص في الشيء والعناية به، والحرص على أن يؤدى كاملًا تامًا لا غش فيه ولا خيانة، يقال في لغة العرب: ذهب ناصح، يعني: ليس فيه غش، ويقولون أيضًا: عسل ناصح، يعني: ليس فيه غش، فهكذا يجب أن يكون المؤمن في أعماله ناصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، هكذا.
فالنصيحة لله توحيده سبحانه والإخلاص له وخلوص العبادة له جل وعلا من صلاة وصوم وحج وجهاد وغير ذلك، يعني: أن يعمل في غاية من الإخلاص لله، لا يعبد معه سواه، بل يعبده وحده، وينصح في هذه العبادة ويكملها. وهكذا ينصح في أداء ما فرض، وترك ما حرم الله عليه يؤديه كاملًا؛ لعلمه بأنه حق الله، وأن الله أوجبه عليه، فهو يخلص في ذلك ويعتني بذلك. وهكذا في حق القرآن يتدبره ويتعقله ويعمل بما فيه من الأوامر وينتهي عن النواهي، هو كتاب الله العظيم وحبله المتين.
فالواجب العناية بالنصح لكتاب الله، وذلك بحفظ الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود حتى لا تخل بشيء من أوامر الله في القرآن وحتى لا تركب شيئًا من محارم الله، مع الإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، هذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، كلام الله منه نزل على رسوله عليه الصلاة والسلام كما قال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء:193-194].
المؤمن يؤمن بهذا، وهكذا المؤمنة، ويعتقد أنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، خلافًا للجهمية ومن سار في ركابهم من المبتدعة. وهكذا النصح للرسول ﷺ بطاعة أوامر وترك نواهيه، والإيمان بأنه رسول الله حقًا، والدفاع عن سنته والذب عنها، كل هذا من النصح للرسول ﷺ، كونه يعتني بأحاديثه ويعرف صحيحها من سقيمها، ويذب عنها ويمتثلها ويقف عند الحدود التي حدتها السنة، كل هذا من النصيحة للرسول ﷺ. ومن زاد على ذلك من أدائه الواجبات وتركه المحارم كان كمالًا للنصيحة وتمامًا لها.
فالحاصل أنه بعنايته بما أمر الله به ورسوله، وبما دل عليه كتاب الله من الحقوق، يكون قد نصح لله ولكتابه ولرسوله، بأداء فرائض الله وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، والإكثار من الثناء عليه وذكره ﷺ وخشيته جل وعلا، كل هذا من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله. نعم.
______________________________
المصدر : موقع الشيخ عبد العزيز بن باز
Tags: الدين النصيحة بن باز حديث نصيحة