إن أهم مفاسد الخلاف الرئيسية هي ذهاب نصر الله عن الفئة المؤمنة والفشل وضياع قوتهم وهيبتهم كما يقرر الله تعالى في كتابه الحكيم: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} الأنفال 46… والاختلاف يولد الخلاف والاختلاف بين القلوب لقول الرسول ﷺ (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، ويحذر الرسول ﷺ من مفاسد الاختلاف حتى في الوقوف في صف الصلاة: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) رواه مسلم.

ويقول ابن مسعود رضى الله عنه: “الخلاف شر”

وسنذكر بعضاً من مفاسد الخلاف الضارة وعواقبه المهلكة سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات الإسلامية ككل:

أولا : مفاسد الخلاف على مستوى الأفراد

(1قسوة القلب: ذلك أن المراء والجدال والاختلاف والخلاف مبني أساساً على الكلام الكثير الذي لا فائدة فيه سوى إفحام الخصم والغلبة عليه وكثرة الكلام بدون ذكر الله فيها قسوة القلب “وأن أبعد الناس على الله القلب القاسي”

وقال مالك بن أنس إمام دار الهجرة “المراء يقسي القلوب

(2) إغضاب الآخرين: الأمر الذي يؤدي إلى البعد والقطيعة والتآمر. الخلاف دائماً يبني على قول لا بركة فيه ولا يصحبه عمل {كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وقد وعى ذلك لقمان الحكيم. فقال موصياً ابنه (يا بني لا تجادل العلماء فيمقتوك)

(3) ضياع الهيبة وسقوط المروءة: وذلك أن المراء والجدال والخلاف يحمل صاحبه على كشف أوراقه ويرمي خصمه بكل ما يستطيع وإذا فعل ذلك ضاعت هيبته وسقطت مروءته لا محالة إذ المرء مخبوء تحت لسانه، وفي ذلك يقول عيسى على نبينا ﷺ: (من كثر كذبه ذهب جماله ومن لاحى لرأي اختلف مع الرجل سقطت مروءته)

(4) عدم أمن الفتنة في الدينذلك أنه كثيراً ما تعترض الشبهات للمخالفين في الرأي وقد لا يتمكن من الرد عليها وحينئذ يتسرب الشك إلى نفسه، وقد يقوى هذا الشك إلى حد الفتنة في الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله. وماذا في الحياة بعد الفتنة وضياع الدين.. قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز “من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل“.

ثانيا: مفاسد الخلاف على مستوى المجتمعات والأمة

الخلاف سبب رئيسي للفرقة والتمزّق والضّعف:

  إن الإختلاف المذموم يؤدى إلى تفرق الكلمة وتعادى الأمة، وتنازع الطوائف، ويلبسها شيعاً ويذيق بعضها بأس بعض. وهو ما حذر منه القرآن الكريم والسنة المطهرة أشد تحذير، يقول القرآن الكريم بعد الأمر بتقوى الله حق تقاته، والثبات على الإسلام إلى الممات: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (سورة آل عمران 103) وفي هذا السياق يقول سبحانه: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} (سورة آل عمران 105).

ويوجه الرسول والمؤمنين في موضع آخر فيقول: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً  كل حزب بما لديهم فرحون} (سورة الروم 31 ، 32).

وحذّر القرآن من التفرق أيما تحذير، ومن ذلك قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} (الأنعام 65). فجعل تفريق الأمة شيعاً، يذوق بعضها بأس بعض، من أنواع العقوبات القدرية التى ينزلها الله بالناس إذا انحرفوا عن طريقه ولم يعتبروا بآياته، وقرنها القرآن بالرجم ينزل من فوقهم كالذى نزل بقوم لوط، وبالخسف يقع من تحت أرجلهم كالذى وقع لقارون. وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} ( الأنعام 159 ).

كما تروى كتب السيرة خطورة هذا الخلاف على المجتمعات الإسلامية عن زيد بن أسلم قال: [مرَّ شاس بن قيس وكان شيخاً قد عسا على نفرٍ من أصحاب رسول الله ﷺ من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذى كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بنى قيلة بهذه البلاد، والله مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم. ثم ذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيّين على الركب، أوس بن قيضى أحد بنى حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بنى سلمة من الخزرج، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة!! (أى كما كانت وقت نشوبها)، وغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح!! موعدكم الظاهرة – والظاهرة الحرة – فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التى كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: “يامعشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! أبعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم امر الجاهلية، فاستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟!” فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله ﷺ، سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد شاس.

  والآيات الكريمة التي ذكرناها وغيرها دعوة قوية إلى توحيد الكلمة، واجتماع الصف المسلم على الإسلام، وقد تضمنت:

1- التحذير من دسائس غير المسلمين، ومن طاعتهم فيما يوسوسون به فليس وراءها إلا الإرتداد على الأعقاب، والكفر بعد الإيمان.

2- التعبير عن الاتحاد بالإيمان، وعن التفرق بالكفر، فإن معنى {يردوكم بعد إيمانكم كافرين} أى بعد وحدتكم وأخوتكم متفرقين متعادين كما تدل أسباب النزول.

3- أن الاعتصام بحبل الله من الجميع هو أساس الوحدة والتجمع بين المسلمين وحبل الله هو الإسلام والقرآن.

4- التذكير بنعمة الأخوة الإيمانية بعد عداوات الجاهلية وإحنها وحروبها، وهى أعظم النعم بعد الإيمان: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} الأنفال 63

5- لا يجمع الأمة أمر مثل أن يكون لها هدف كبير تعيش له، ورسالة عليا تعمل من أجلها، وليس هناك هدف أو رسالة للأمة الإسلامية أكبر ولا أرفع من الدعوة إلى الخير الذى جاء به الإسلام، وهذا سر قوله تعالى في هذا السياق: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهمون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} آل عمران 104

6- التاريخ سجل العبر، والواعظ الصامت للبشر، وقد سجّل التارخ أن من قبلنا تفرقوا واختلفوا في الدين فهلكوا، ولم يكن لهم عذر، لأنهم اختلفوا بعد ما جاءهم العلم، وجاءتهم البينات من ربهم، ومن هنا كان التحذير الإلهى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} آل عمران 105.

ــــــــــــــــــــــ
إقرأ أيضا:صفات المسلم المؤثر

Tags:

سجل دخول بمعلومات حسابك

Forgot your details?