قال الإمام أحمد: “تسعةُ أعشارِ حسنِ الخلقِ في التغافلِ.”

وقال الحسن البصري: “مَا استَقصى كريمٌ قط” وقال أيضا: “ما زال التغافل من فعل الكرام.”

وورد عن معاوية بن أبي سفيان: “العقلُ: ثلثُه فطنةٌ، وثلثَاه تغافلٌ.”

وقال الإمام الشافعي: “الكَيِّسُ العاقلُ: هو الفطنُ المتغافلُ.”

وقال ابن المبارك: “المؤمنُ يطلبُ المعاذيرَ، والمنافق يطلب الزلات.”

وقال الحكماء: “لا يكون المرء عاقلاً حتى يكون عما لا يعنيه غافلاً.”

وقال الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الإِمَامِ أحمدَ عَن عُثْمَانَ بن زَائِدَةَ: “الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ.” فحدَّثتُ به أحمد بن حنبل فقال: “العافيةُ عشرةُ أجزاءٍ كُلُّهَا في التَّغَافُلِ.”

وقال الله عز وجل عن نبيه ﷺ، لما أخطأتْ بعضُ أزواجه: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}[التحريم:3]

ما التغافل؟

التغافل فن لا يتقنه الكثيرون، فهو يحتاج للكثير من ضبط النفس، وحساب العواقب، واستحضار الأولويات، وهدوء فكري ونفسي.
التغافل يعني تجاهل الإساءة وغض الطرف عن أمر صدر من عدوّ أو صديق وأنت تتيقن غرضه السيء منه، ليس ضعفاً، بل ترفعاً عن الخوض في جدال لإثبات صحة رأيك وقوة حجتك، والدخول في مهاترات لرفع مكانتك التي قد تتوهم بانها سقطت.

والتغافل هو تقديم أولوية الترفع والفوز براحة البال، عن الدخول في معارك كلامية لا تنتهي، ولو انتهت، فإنها غالباً تنتهي بقطيعة، وضيق، ومشاعر سلبية، واقتناص الفرص للنيل من الخصم عبر إحصاء سيئاته والتركيز على اصطياد اخطائه.

التغافل والمشاكل الزوجية 

أحيانا تعترض الزوجين مشاكل يفتعلها أحدهما بشكل استثنائي وعابر، وهي ليست من صفاتهما الدائمة. ومثالنا على ذلك: كأن يستهزئ أحدهما بالآخر وليس من عادتهما ذلك، كأن يذكر أحد العيوب في مجلس الأهل والأقارب سهواً أو عمداً ولكن على غير عادتهم، وكلها تصرفات يكفي في علاجها الإشارة فقط، ولا ينبغي لأي من الزوجين أن يعاتب الآخر ويهجره من أجل هذه التصرفات، وذلك باعتبار أنها عابرة وليست دائمة، والأصل في المشاكل العابرة إتباع أسلوب التغافل معها، لأن الدقة في المراقبة والشدة في المحاسبة من بواعث الاضطراب وعدم الاستقرار، بينما في التغافل والتغاضي كفالة باستدامة السعادة، وبقاء المعاشرة الجميلة، واستمرار الحياة الهنيئة الطيبة، كل ذلك ضمن الضوابط الشرعية والتوصيات الأخلاقية.

التغافل وتربية الأبناء

لا بُدَّ للمربي من التغافل والتغاضي عن الكثير من الأخطاء والزلات والتركيز على الإيجابيات، وتبنِّي لغة التشجيع والترغيب، مما يمنح الأبناء فرصة التراجع والمراجعة والإصلاح. إن ممارسةُ التغافلِ تُقَلِّلُ من انتقاداتنا لأبنائنا، لأن كثرةَ تعليقاتِنا على تصرفاتهم تُضْعِفُ ثقتَهم بأنفسهم، كما تجعلُهم يتجنبون مجالستَنا والتحدثَ إلينا، ويصابون بالعزوفِ عن ممارسة الجديد مخافة المشاحنات والتعليقات السلبية. إن التحلي بالتغافل يمنح المربي وقتًا للتفكير، ودراسة المشكلة من جميع جوانبها، على حين تفقده سرعة الانشغال بإيقاف السلوك السيئِ تلك الفرصةَ، ويعززُ من استمراره.

التغافل في العمل

إن بيئة العمل هي أكثر بيئة يمارس فيها الإنسان وضوحه الفكري، سواءً تصالحه مع ذاته أو مشاكسته للآخرين، فعليك مجاهدة النفس، والتغاضي عن إساءات الزملاء، وتقديم الخلق الرفيع على النزول إلى مستوى المسيئ لك. لأن إذا انشغلت بالتدقيق في كل كلمة قيلت ومحاسبة صاحبها، والردّ على من عاداك فأحسن الله عزاءك في صحتك وراحتك ونومك ودينك، بل وستصيبك الأوهام بان الجميع ضدك، يحسدونك ويحقدون عليك، وستصبح منبوذاً في مقر عملك، وستخسر كل من حولك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

اقرأ أيضا: مفاسد الخلاف على الفرد والمجتمعات

Tags:

سجل دخول بمعلومات حسابك

Forgot your details?