الله يعلم حكمته من أمره سبحانه وتعالى لعباده أن يصلوا على النبي ﷺ ويسلموا تسليماً، وقد نلتمس طرفاً مما يتركه هذا الأمر من أثر، مما ذكره السادة العلماء، ومما ينقدح في أذهان المتأملين.

فالصلاة على النبي ﷺ هي عنوان محبته والعرفان له بفضله – بعد الله عز وجل – على أمته، فالفضل عائد بالأساس لله سبحانه وتعالى في بعثة النبي ﷺ للناس؛ فكان من شكر الله عز وجل على تلك النعمة، الصلاة على رسوله ﷺ، عرفاناً لله بالفضل في الرسالة والرسول؛ فكان الدعاء للرسول ﷺ (بالصلاة عليه) شكراً له وشكراً لله من قبله أن أرسل إلينا هذا الرسول بتلك الرسالة العظيمة، يقول ابن القيم رحمه الله “الصلاة عليه أداء لأقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة ولا إرادة ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه”

وهو كذلك إظهار لمحبة الرسول ﷺ؛ فإن من يحب أحداً ينشغل بذكره والحديث عنه ومدحه والدعاء له، يقول ابن القيم أيضاً عن الصلاة على النبي ﷺ أنها “سبب لدوام محبته للرسول ﷺ وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الايمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب ، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه – تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه. واذا أعرض عن ذكره (…)، نقص حبه من قلبه. ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره (…). إذا قوي هذا في قلبه، جرى لسانه بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك”

فالصلاة على النبي ﷺ، هي تحقيق للعبودية المطلقة لله عز وجل بإظهار محبة من أرسله للعالمين والدعاء له، وتعظيمه تعظيماً للمرسل جل في علاه، وتقديراً للرسالة المرسلة منه سبحانه وتعالى.

وهي كذلك نوع من العرفان لصاحب الرسالة ﷺ بالدعاء له والإكثار من ذكره تجديداً دائماً لمحبته في نفوس أتباعه لكي يظل الحب له متقداً حاضراً، والقدوة كذلك ماثلة مع هذا التذكر الدائم بواجب الصلاة عليه، والتي تتضمن في معانيها طلب زيادة التشريف والرفعة له ﷺ من رب العالمين. فكلما ذكر المحبوب ازدادت محبته في قلوب المحبين، وكلما لهج اللسان بالدعاء تعاظمت القدوة في نفوس الذاكرين.

ثم هو عنوان للمروءة والعرفان بالجميل لهذا الحبيب الذي جاءنا مثلما وصفه الله عز وجل {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}، فكانت تلك الصلاة عليه ﷺ نوع من المكافأة وشيء من رد الجميل له ﷺ بحسب قدرات أتباعه على الرد، وهي الدعاء له والطلب من رب العزة مزيداً من الرفعة والعظمة والتشريف لنبيه ﷺ، يقول العز بن عبد السلام: “ليست صلاتنا على النبي ﷺ شفاعة منا له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه، لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا، وأفضاله علينا، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه ﷺ”.

وهو نوع من التوسل إلى الله عز وجل بالصلاة على نبيه – كما يقول ابن القيم – “بالصلاة على من نالت أمته هذه النعمة على يده وسعادته؛ فكأن المصلي توسل إلى الله سبحانه بعبوديته، ثم بالثناء عليه والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، ثم الصلاة على رسوله”.

ثم يأتي التسليم على النبي ﷺ كتحية دائمة سابقة لكل مخلوق مثلما قدمها الله عز وجل في الصلاة الإبراهيمية، تعظيماً لشأن النبي ﷺ في نفوس أفراد أمته.

فالصلاة النبي ﷺ والتسليم عليه هي إظهار لمحبة الله سبحانه وتعالى بذكر محبوبه وطلب مزيد التشريف له، وهو تذكير دائم بمحبة الرسول ﷺ واستحضار قدوته ماثلة كلما لهج اللسان بذكره تعظيماً ودعاءً، وهو نوع من المكافأة على ما قدمه الرسول الكريم لأمته، وهذا العرفان وهذا الاستحضار هو الذي يبقى الوجود الدائم لرسول الله ﷺ بسيرته ورسالته في نفوس المؤمنين بحيث لا تغيب عنهم لحظة حتى وإن غاب النبي ﷺ بجسده عن عالمنا؛ فإن استحضار تلك الصورة الوضيئة عبر الدعاء له ﷺ والسلام عليه رافع لمستوى الإيمان في نفوس المؤمنين، وفي ذلك كذلك ربط مستمر بين التابع والمتبوع، وهو تهذيب للنفس لا ينقطع على شكر أصحاب الإحسان والاعتراف لهم بأفضالهم، وفي صدارتهم هذا النبي العظيم ﷺ الذي لولاه لما عرف المؤمنون طريق الحق والتزموه.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: المسلم

Tags:

سجل دخول بمعلومات حسابك

Forgot your details?