فِي المَدْرَسَةِ أَوْ فِي الأُسْرَةِ، مَعَ الأَصْدِقَاءِ أَوْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ حَتَّى فِي العَمَلِ … الاِبْتِزَازُ العَاطِفِيُّ هَوَ سُلُوكٌ اسْتِغْلَالِيٌّ يَمْكِنُهُ التَّغَلْغُلَ فِي جَمِيعِ عَلَاقَاتِكَ. قَدْ يَسْتَخْدِمُ شَخْصٌ تُحِبُّهُ نقَاطَ ضُعْفِكَ لِلْحُصُولِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْكَ، أَوْ لِإِبْقَائِكَ تَحْتَ سَيْطَرَتِهِ بِالتَّهْدِيدِ الصَّرِيحِ تَارَةً، أَوْ بِالإِسْتِمَالَاتِ العَاطِفِيَّةِ تَارَةً أُخْرَى، وَجَمِيعُهَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسَمّى وَاحِدٍ هُوَ ’’الإِبْتِزَازُ العَاطِفِيُّ‘‘، حَيْثُ يَتَعَايَشُ الخَوْفُ وَالشُّعُورُ بِالذَّنْبِ وَالإلْتِزَامُ.

ماهو الابتزاز العاطفي؟

’’الابتزاز العاطفي هو شكل قوي من أشكال التلاعب، حيث يهدد المقربون منا بمعاقبتنا على عدم القيام بما يريدون. يَعرِفُ المبتزون العاطفي مدى تقديرنا لعلاقاتنا معهم، ويعرفون نقاط ضعفنا وأعمق أسرارنا. يمكن أن يكونوا آباءنا أو شركاءنا أو رؤساءنا أو زملاءنا في العمل أو أصدقاءنا. وبغض النظر عن مدى اهتمامهم بنا، فإنهم يستخدمون هذه المعرفة الحميمة للحصول على المكسب الذي يريدونه: طاعتنا.‘‘

وغني عن البيان، أنه تكتيك يستخدمه المقربون إلينا لإيذائنا والتلاعب بنا، سواء عن قصد أو بغير قصد. يتضمن الابتزاز العاطفي أن يخبر المبتز شخصًا ما، أنه إذا لم يفعل ما يقوله له، سيعيش في الألم والمعاناة، وسيشعر بالذنب مدى حياته.

قد يقول المبتز:

’’إذا تركتني، سأقتل نفسي..‘‘

وطبعاً، لا أحد يريد أن يكون مسؤولاً عن الانتحار، وبالتالي فإن المبتز يفوز علينا.

’’الجميع يتفق معي. لا يجب أن تفعل هذا..‘‘

عادة، لا يقتصر المبتز العاطفي على إلقاء عبارات كبيرة بين الحين والآخر، بل يكون ابتزازهم العاطفي جزءاً من مخطط أكبر من الإساءة العاطفية، بحيث يستخدمون أشكالاً بسيطة من الابتزاز واللوم بانتظام.

يمكنه أيضاً أن يقول:

’’لو كان بإمكانك توصيلي، لما تأخرت عن العمل‘‘

سيقول هذا، على الرغم من أنه يعلم أنك لا تستطيع أن تقدم له هذا المعروف، وتوصيله إلى عمله، لأن لديك موعداً مثلاً، وعلى الرغم من كونه شخصاً بالغاً، ويجب أن يكون مسؤولاً عن التزاماته الخاصة، دون الحاجة للجوء إليك.

لماذا يستخدم الناس الابتزاز العاطفي؟

يستخدم معظم الناس أحيانًا شكلاً من أشكال الابتزاز العاطفي البسيط. كأن تشعر بالإحباط وعدم الرضا، عندما لا يفعل شخص ما شيئاً كنت تود أن يفعله من أجلك.

على سبيل المثال، قد تشكو من أن قريبك لم يشترِ لك ورداً في طريقه إلى المنزل، في حين أنه على علم بأنك مريض. وعلى الرغم من أنه قد يصبح مشكلة إذا تكرر عدة مرات، لكنه ليس بالشيء المقلق بالنسبة لك كثيراً، بل يجب أن يفعل ويفعل ذلك في كل مرة.

أما الابتزاز العاطفي الشديد، فيستخدمه بعض الأشخاص الذين يحاولون التحكم في أفكار ومشاعر شخص آخر، ويجيدون جعله عاجزاً وحائراً، وينجحون في كثير من الأحيان في جعله يشعر أن المبتزون عقلانيون تماماً، وأنه هو الغير عقلاني، مما يمنحهم المزيد من القوة تجاه الضحية.

غالبًا ما يجد ضحايا الابتزاز العاطفي أنفسهم يشعرون طول الوقت بالذنب، ويحاولون توقع مزاج المبتز، والاعتذار عن الأشياء التي لم تكن ذنبهم في الأصل.

الخوف والالتزام والذنب

لقد انتشر مصطلح ’’الابتزاز العاطفي‘‘ من قبل المعالجين وعلماء النفس الرائدين، ’’سوزان فورورد‘‘ و ’’دونا فرايزر‘‘ في كتابهما الذي يحمل نفس الاسم عام 1974. الكتاب قدم مفهوم الخوف والالتزام والذنب.

يمكن للمبتزين التلاعب بضحياهم لأنهم يخافون منهم، كونهم يشعرون أنهم ملزمون ومذنبون بعدم القيام بما يُطلب منهم. والمبتزون يعرفون جيدًا أن الضحايا يشعرون بذلك. وسرعان ما يتعرف المبتزون على أي جزء من أجزاء الثالوث الأكثر فاعلية في التلاعب بالضحية، وأي المحفزات العاطفية ستعمل أكثر وتنجح.

المبتز العاطفي كأي معتدٍ، غالباً ما يبرع في اكتشاف الأشخاص الذين من المرجح أن يستجيبوا لهم بشكل أفضل.

اقرأ أيضا: نصائح ذهبية كي تصبحين زوجة مثالية

ما هي أنواع الابتزاز العاطفي؟

حدد الثنائي سوزان فورورد ودونا فرايزر أنواعاً مختلفة من الابتزاز العاطفي، وهي:

  • المبتزون المعاقبون:

ويهدد المعاقبون بإيذائك وابتزازك بشكل مباشر. فقد يمنعونك من رؤية أصدقائك، أو يتراجعون عن مودّتك، أو قد يصل الأمر إلى إيذائك جسدياً إذا لم تذعن لهم. هذا النوع من المبتزين يستخدم أحياناً عبارات مثل “إن عدت للعمل سأتركك”، “إن طلبت الطلاق لن ترى أطفالك مرة أخرى”. وفي أحيان أخرى لا يستخدمون بالضرورة عبارات تهديد واضحة، وإنما يعاقبونك بالصمت، ويبنون بينهم وبينك سداً حتى تستجيب لرغباتهم، ولا يتحملون حتى مسؤولية المواجهة المباشرة بما يريدونه.

  • المبتزون المعاقبون للذات:

وهم عكس الصنف الأول المباشر الذين يوجهون تهديداتهم لك، هؤلاء المعاقبون الذات يهددون بإيذاء أنفسهم كشكل من أشكال الابتزاز، ويخبرونك أنه سيكون خطؤك إذا فعلوا ذلك بأنفسهم. وقد يبدأ التهديد بالامتناع عن الطعام أو الدواء، ليصل إلى التهديد بالانتحار أحياناً.

  • المبتزون المعانون:

سوف يلومك المبتزون المعانون على حالتهم العاطفية. ويشعرونك بالذنب طوال الوقت، ويجعلونك تشعر أنك المسؤول عن تعاستهم، وسيتوقعون منك تنفيذ رغباتهم لجعلهم يشعرون بتحسن. قد يقولون، “اخرج مع أصدقائك إذا أردت، لكنني سأقضي المساء كله أشعر بالحزن والوحدة إذا فعلت ذلك.”

  • المبتزون المغرون:

هذا الصنف من المبتزين لا يصدرون تهديدات مباشرة، بل يستخدمون الإغراء والوعود بالأشياء الجميلة من أجل الضغط عليك لتستجيب لطلباتهم. لذلك قد يقولون ’’سأحجز لنا إجازة في الفندق الفلاني، إذا فعلت ذلك من أجلي‘‘. وقد يكون الإغراء هنا بالمعاملة اللطيفة، أو منحك المزيد من الحب فى حالة العلاقات العاطفية، أو الترقية فى حالة العمل على سبيل المثال.

كيف توقف الابتزاز العاطفي؟

          1. تغيير طريقة تفكيرك

’’التغيير هو الكلمة الأكثر رعبا في اللغة الإنجليزية. لا أحد يحبها، الجميع تقريبًا يخافها، وسيصبح معظم الناس، بمن فيهم أنا، مبدعين للغاية لتجنبها. يمكن لأفعالنا أن تجعلنا بائسين، لكن التفكير في فعل أي شيء بشكل مختلف هو الأسوأ. ومع ذلك، إذا كان هناك شيء واحد أعرفه بيقين مطلق، على الصعيدين الشخصي والمهني، فهو: لن يتغير شيء في حياتنا حتى نغير سلوكنا.‘‘ سوزان فورورد

أنت تستحق الاحترام، وعليك أن تغير من طريقة تفكيرك والتعامل مع الموقف بطريقة مختلفة. التغيير مخيف، لكنه الشيء الوحيد الذي سيساعدك. خلاف ذلك، سوف ينتهي بك الأمر في حياة مدمرة.

          2. اختر علاقة صحية

’’ومع ذلك، إذا كان هناك شيء واحد أعرفه على وجه اليقين، على المستويين الشخصي والمهني، فهو: لن يتغير شيء في حياتنا حتى نغير سلوكنا. لن يمنعنا فهم سبب قيامنا بالأشياء التي نقوم بها بأنفسنا من القيام بها. الاستهزاء والتوسل مع الآخر من أجل التغيير لن يفعلا ذلك. يجب أن نتحرك. يجب أن نتخذ الخطوة الأولى على طريق جديد.‘‘ سوزان فورورد

لدينا جميعاً خيار الدخول في علاقة ما: كإنسان، لديك الحق في التفاوض على علاقة أكثر صحة أو إنهاء العلاقة.

لا تنسَ أنه لا توجد علاقة تستحق صحتك العاطفية والعقلية. إذا أصبحت العلاقة سامة، فلا يزال لديك خيار لفعل ما هو مناسب لك.

اقرأ أيضا: مصادر ’’النكد‘‘ التي تعكر صفو الحياة الزوجية

          3. ضع الحدود

قالت ’’شاري ستينز‘‘، وهي أخصائية علاج مقرها كاليفورنيا ومتخصصة في سوء المعاملة والعلاقات السامة:

’’الأشخاص المبتزون لديهم حدود رديئة. وأنت لديك تجربتك الخاصة كإنسان وتحتاج إلى معرفة أين تنتهي وأين يبدأ الشخص الآخر. غالبًا ما يكون للمبتزين حدوداً جامدة جدًا أو حدوداً متشابكة.‘‘

عندما تضع لك حدودًا، فإنك تخبر المبتز أنه قد انتهى التلاعب بك. قد يكون الأمر مخيفًا في البداية، ولكن عندما تنجح في كسر هذا النمط السام من السلوك، فهذا يعني أنك بدأت تحب نفسك.

لذا تعلم أن تقول “لا” و “توقف” عندما تحتاج إلى ذلك.

          4. واجه المبتز

لا يمكنك وضع حدودٍ، ما لم تحاول مواجهة المبتز. أما إذا كنت تريد الحفاظ على العلاقة، فيمكنك تجربة هذه الأمثلة التي قد تساعدك على التخلص من التهديد والابتزاز:

     – أنت تدفع علاقتنا إلى أقصى حدّ، وأشعر بعدم الارتياح.

     – أنت لا تأخذني على محمل الجدّ عندما أخبرك كم أنا غير سعيد بأفعالك.

     – نحن بحاجة إلى إيجاد طرق للتعامل مع الصراع، حتى لا أشعر بالإساءة العاطفية وأني بلا قيمة.

     – أنا دائما امتثل لطلباتك وأشعر بالإرهاق. لا أريد أن أعيش هكذا بعد الآن.

     – أنا بحاجة إلى أن أُعامَل باحترام، لأنني أستحق ذلك.

     – لنتحدث عن ذلك، فلا تهددني ولا تعاقبني.

     – لن أتسامح بعد الآن مع هذا السلوك المتلاعب.

          5. احصل على مساعدة نفسية للمبتز

نادرًا ما يعترف المبتزون العاطفيون بأخطائهم. فإذا كنت ترغب في الحفاظ على العلاقة به، فيمكنك أن تطلب منه الحصول على مساعدة نفسية، حيث سيتم تعليمه مهارات التفاوض والتواصل الإيجابية. وإذا تحمل حقّاً مسؤولية أفعاله، فسيكون منفتحاً على خلق بيئة أكثر أماناً وسلامةً في العلاقة، وذلك بإزالة الابتزاز العاطفي.

المبتزون الذين يتحملون المسؤولية ويرغبون في الحفاظ على العلاقة التي تجمعكما يظهرون الأمل في التعلم والتغيير، بعيداً عن الابتزاز والتهديد.

          6. الحب لا يعرف الابتزاز

“بعض الناس يكسبون الحب. بعض الناس يبتزون به الآخرين. ’’ربيكا كرين‘‘

إِعلمْ أن الحب الحقيقي ليس له ابتزاز. عندما يحبك شخص ما حقّاً، فلا مكان للتهديد. انظر إلى الوضع كما هو، السلامة هي العنصر الأساسي في تحديد علاقة صحية أو غير صحية. أما عندما تتعرض للتهديد، فإن العلاقة لم تعد آمنة بالنسبة لك.

          7. ارحل أو أزل المبتز من المعادلة

في كثير من الأحيان، لا يمكنك الحصول جعل المبتز يتحمل مسؤولية أفعاله. ومع ذلك، يمكنك التحكم في نفسك والتصرف وفقاً لذلك. عندما تُخرِجُ نفسَك من الموقف بالانفصال أو الابتعاد، فإنك لن تتعرض للتهديدات بعد ذلك، وبالتالي تكسر دائرة الابتزاز العاطفي.

قالت الدكتورة كريستينا شاربونو:

“لدينا جميعاً الخيار، ويمكنك اختيار مساعدة نفسك. أوقف الحلقة المفرغة المتمثلة في السماح لنفسك بالابتزاز العاطفي من قبل الآخرين، من خلال التساؤل عما يقوله لك الآخرون، قبل أن تعتبره حقيقة وأمراً مفروغاً منه وتصدقه.”

ــــــــــــــــــــــــــــ

اقرأ أيضا: كيف تُبنى الثقة من جديد بين الأزواج 

Tags:

سجل دخول بمعلومات حسابك

Forgot your details?