لَا تُنْكِرُ المُجْتَمَعَاتُ وَالأُمَمُ عَلَى اخْتِلَافِ ثَقَافَاتِهَا أَهَمِّيَّةَ الأَخْلَاقِ وَضَرُورَتِهَا، وَالحَاجَة المَاسَّة لِتَحَلِّي الأَفْرَاد وَالْتِزَامِهِمْ بِهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ مُقَابِلَ التَّخَلِّي عَنْهَا وَعَدَمِ الالْتِزَامِ بِهَا مِنْ عَوَاقِبٍ وَخِيمَةٍ،
وهناك عدّة شواهد تاريخيّة ودينيّة تؤكد أنّ تدنّي الأخلاق، وانحدار مستواها، وتخلّي الأفراد عنها كانت سبباً في زوال الحضارات والأُمَم أو تردّي أحوالها، ومن هذه الشواهد ما جاء في القرآن الكريم من قول الله -تعالى- واصفاً قوم ثمود وقوم فرعون، وما كان منهم من فساد وإفساد كبيرين، وما كانت عاقبتهم، فقال: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}.
وممّا لا يُختلَف فيه أنّ كسب علاقات طيِّبة مع الناس، ومعاملتهم بالودّ، والتّراحم، والاحترام، والتعاون، لا يكونان إلّا إذا سادت الأخلاق الحَسَنة بين أفراد المجتمع، وتفشّت في معاملاتهم وتعاملاتهم المختلفة، فيُعامِل كلّ فرد في المجتمع الآخرين على اختلافهم، ومهما كانت لُغاتهم، أو أجناسهم، أو أعراقهم، أو ألوانهم، أو أديانهم، بالخُلق الحَسن،
وفي هذا المقال حديثٌ حول مفهوم الأخلاق، وبيان كيف الفرد حسن الخلق مع الآخرين. وفوائد جسن الخلق:
[١] تعريف الأخلاق
يختلف تعريف الأخلاق لُغةً عن تعريفها اصطلاحاً، وفيما يأتي بيان ذلك:
- الأَخْلاق في اللغة: تعود كلمة الأخلاق إلى الجذر اللغوي خَلَقَ، وهو راجع إلى أصلَين؛ الأوّل يُفيد مُلامسة الشّيء، وأمّا الثاني فيفيد تقدير الشيء؛ وهو الأصل الذي ترجع إليه لفظة الأخلاق؛ لأنّ صاحبه يُقدَّر عليه، ويُقال: فلانٌ خَليقٌ بكذا، أو أخْلَقُ به كذا؛ أي: هو ممّا يُقدَّر فيه ذلك، ومفرد الأخلاق الخُلُق، وهو كما قال ابن منظور في لسان العرب: الدّين، والطّبع، والسجيّة.
- الأخلاق في الاصطلاح: إنّ للعلماء عدّة تعريفاتٍ للأخلاق؛ فمنهم من عرّفها بأنّها هيئة راسخة في النّفس؛ تصدر عنها أفعال الإنسان بيُسرٍ وتلقائيّةٍ دون حاجةٍ لتفكيرٍ ورَوِيّةٍ، وعلى هذا فإنّ مفهوم الأخلاق بوجهٍ عامٍّ يشمل الهيئات الحَسنة والسيّئة؛ أي أنّ الهيئة الرّاسخة في النّفس إذا صدر عنها فعل حَسَن سُمِّيت خُلُقاً حسَناً، وإن صدر عنها فعل قبيح أو سيِّئ سُمِّيت فعلاً سيِّئاً،
- وتعريف الأخلاق الحَسنة على وجه الخصوص، فهو كما عرّفها بعض المُحدّثين: تصوّر وتقييم ما ينبغي أن يكون عليه السلوك متماشياً في ذلك مع مثَلٍ أعلى، أو مبدأ أساسيّ تخضع له التصرّفات الإنسانيّة، ويكون مؤازراً للجانب الخيِّر في الطبيعة البشريّة.
شاهد أيضا: صفات المسلم المؤثر
[2] كيفيّة حُسْن الخُلق مع الناس
إنّ الأخلاق سلوك وصفة ترسخ في النّفس، وتصدر بتلقائيّة؛ أي أنّها ليست أمراً يكون الإنسان مُلزَماً به أو مجبوراً أو مجبولاً عليه، وحتّى يكون الإنسان حَسَن الخلق مع الآخرين، فلا بُدّ له من بعض الأفعال والتصرّفات التي تُمكّنه منها، وفيما يأتي بيان ذلك:
- الإيمان الصادق والعميق بالله تعالى؛ لأنّ في الإيمان تزكيةً للنفس، وتقويماً وتهذيباً لسلوكها.
- مُصاحبة النّاس المشهود لهم بحُسن الخُلق ومُخالطتهم؛ لأنّ للصُّحبة أثراً في سلوك الإنسان، وفي هذا المعنى قال الشاعر: عن المرءِ لا تسَلْ وسَلْ عن قرينِهِ **** فكُلُّ قرينٍ بالمُقارَن يَقتدي
- المطالعة والاستماع لقصص وأخبار السّابقين من السَّلف الصّالح، والعلماء الذين عُرِفوا واشتُهِروا بأخلاقهم الحَسَنة وفضائل الصفات، والاقتداء بهم.
- مُجاهدة النّفس وتدريبها؛ حتى تعتاد على الأخلاق الحَسنة، فتكون صفةً راسخةً فيها، يطبِّقها الإنسان في كلّ المواقف، فالأخلاق تحصل بتدريب النفس عليها، فقد قال النبيّ ﷺ
- : (إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ).
- مُحاسَبة النّفس؛ فالإنسان يُراجع نفسه في تعامله مع الآخرين؛ فيما يصدر منه من حُسن الأفعال أو قبيحها، فيحاسبها على الأخلاق السيئة والذّميمة، وبمحاسبة النّفس ستتأدب على إحسان الخُلُق في تعاملها مع الناس.
- التفكّر والنّظر في الثّواب الذي أعدّه الله -تعالى- لحُسن الخُلق، وما يترتب عليه من أمورٍ طيّبةٍ، وما يترتّب في المقابل من عواقب سيئةٍ ونتائج وخيمةٍ على سوء الخُلق، والتخلّي عن فضائل الأخلاق في التعامل مع الناس.
[3] فوائد الأخلاق الحَسنة
- إنّ للأخلاق الحَسنة فوائد وثمراتٍ يجنيها من يتحلّى بها ويتمثّلها في سلوكاته وتصرّفاته وأفعاله، وهذه الفوائد والثّمرات منها ما هو ثواب أُخرويّ، ومنها ما هو ثواب دنيويّ، فالثواب الأخروي يتمثّل بالحصول على محبّة الله -تعالى- ومحبّة رسوله ﷺ، والفوز برضا الله -تعالى- وجنّته، فقد قال النبيّ ﷺ فيما يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، حيث قال: (إنَّ من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلساً يومَ القيامةِ أحاسِنكم أخلاقاً، وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني مجلساً يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ، والمُتشدِّقونَ، والمُتفيهقونَ، قالوا: قد علِمْنا الثرثارونَ والمتشدِّقونَ، فما المتفيهقونَ؟ قال: المُتكبِّرونَ). وممّا روي عن الرّسول ﷺ أيضاً، أنّه تعهّد ببيتٍ في أعلى الجنّة لمن كان حَسَن الخُلُق، فقال: (أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقّاً، وببيتٍ في وسطِ الجنّةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حُسُنَ خلقُه)،
أمّا حُسْن الخُلق في الحياة الدّنيا فمِن ثوابه أنّه يعود على صاحبه بتكريمه ممّن حوله من الناس، ومحبّتهم له، ورفعة مكانته ومنزلته بينهم بحُسْن خُلقه واستقامة سلوكه، كما أنّ في إحسان الإنسان لخُلُقه تكريم لنفسه، وتجنّب للإهانة أو الإساءة من قِبل الآخرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إقرأ أيضا: صلاة ودعاء الاستخارة
Tags: إسلاميات الأخلاق الدين النصيحة حسن الخلق معنى الأخلاق نصائح نصيحة