إن انجاب الطفل هو تغيير كبير في الحياة بل إنه أكبر تغيير. ولذلك، فمن الطبيعي، ومن السليم، أن تسألي نفسك بعض الأسئلة قبل أن تخطين الخطوة للإنجاب. مع “باتريك استريد” المُربّ وعالم النفس الفرنسي ومؤلف كتاب “إنجاب طفل، الأسئلة التي لا تجرؤ على طرحها حول الأمومة” سَنُفُكُّ تشفير الأسئلة التي تُتْعبُنا وتُحيّرنا في الوقت الذي نفكر فيه في مشروع الانجاب.
في هذا المقال
كيف أعرف إذا كان الوقت مناسبًا لأصبح أمًا؟
باتريك إستراد: “قد يميل المرء إلى تقديم استجابة نورمانية مثل “إنه دائمًا ما يكون الوقت مناسبا” أو على العكس: “أنه ليس الوقت مناسبا أبدًا!”
وبغضّ النظر عن قضايا السّاعة البيولوجية، فإن اتخاذ القرار بشأن إنجاب الطفل ليس مسألة توقيت، وإنما مسألة تحديد حياة الإنسان وخياراته.
سيكون من الجيّد محاولة توقّع المشاكل الرئيسية، لكن لن تقومي بشيء حيالها.. لماذا؟ لأنه لا يمكننا الحكم على الأشياء إلا إذا كنا في الموقف. فقط عندما يكون المرء أمام الوضعية تتوضح أحداث الحياة وتأخذ مكانها. يجب أن تستمعي إلى صوتك الداخلي وتُنصتين إلى ما يقوله لك. وبعبارة أخرى، أن تثقي بما تُحسّين وبما تشعرين”
إقرأ أيضا:
أنا أنانية، كيف يمكنني رعاية طفل؟
باتريك إستراد: “سأجيب نفس الشيء كما قبل: لا يمكننا الحكم على الأشياء إلا إذا كنا في الموقف وأمام الوضع. صحيح أن انجاب الطفل يتطلب منك تغيير نمط حياتك، والتخلي عن بعض الحرية. لكن إنجاب طفل يفجر أيضًا امكانات جديدة عفوية تمامًا وموارد شخصية غير متوقعة. أنت تعرفين نفسك من الزاوية كامرأة، وليس كأمّ، ولكن يمكنك تطوير صفات أخرى عكس ما تعرفينه عن نفسك: يمكن أن تصبح الأنانية إيثارا، كما يمكن أن يتحوّل الاستعجال والضجر الى صبر، والغضب إلى هدوء، والخوف إلى جرأة إلخ. إن كونك أمّا أيضًا لا يعني أن تُظهري إنكارًا لنفسك. ولإعطاء الطفل ما يكفي من الحبّ، يجب على المرء أن يستمدّ طاقته من مكان ما، وأن يلبّي احتياجاته الأساسية. ويجب ألا ننسى أنفسنا ونكون أنانيين إلى حدّ ما. “
أخشى أن أنقل كل مشاكلي وقلقي إلى طفلي
باتريك إستراد: “هذا هو أحد الأسباب التي تجعل عددًا كبيرًا من النّساء تتشاور. الأمومة في كثير من الأحيان هي الدافع للإهتمام بالاضطرابات العصبية الصغيرة. وهي ليست بالضرورة مسألة علاج نفسي، ولكن قليل من التنظيف في الرأس، وفي قلب المرء، من أجل رفاه الطفل. وهذه النية جديرة بالثناء. إنها بالفعل خطوة كبيرة أن تصبح مدركًا لها، لأنها جيدة لطفلك، وقبل كل شيء فهي جيدة لك. القيام بذلك وحدك أمر ممكن، لكنه أسهل مع محترف. ومع ذلك، فإنه يجب علينا أيضًا أن نحسب ما يلي: ليس لأننا كنا نعاني من طفولة صعبة، فحتما سنجعل طفلنا يعيش الأمر نفسه. فنحن نمرّر لأطفالنا العديد من الأشياء الأخرى: أسلوب حياة، ثقافة، ما نحن عليه، وما إلى ذلك. إن كل ما في الحياة يتطور، ولا شيء ثابت، ويمكننا دائما أن نتطور للأفضل. وإنجاب طفل هو بالتأكيد فرصة للتطور. لأنّه من أجل الحبّ، سنقوم بكل شيء ونقدم له ما كنا لنقدمه لأنفسنا”.
شاهد أيضا:
أخشى أن تبطئ الأمومة مسيرتي المهنية
باتريك إستراد: “الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن من الواضح أن التوفيق بين الحياة الأسرية والوظيفية لا يزال صعبًا. وعلينا أن نجرؤ على قول ذلك: بطريقة ما، إن وجود طفل يعيق مسيرة المرأة مقارنة بوظيفة الرجل، لأنه ببساطة، في وجود طفل، فإن المرأة لديها القليل من الوقت، ومن الحرية، ومن المرونة. ومن الجيد أن نكون على علم مسبق بكل هذا، وإلا فإننا نخاطر بالانتقال من خيبة الأمل إلى خيبة أمل أخرى. ولعل مهنتنا تحتاج إلى أن ننظر إليها من زاوية مختلفة وأكثر استراتيجية، على سبيل المثال، من خلال وضع الحياة المهنية بين قوسين طالما أن الطفل مازال صغيرا. مرة أخرى، إنها مسألة اختيار الحياة. وهي أيضًا مسألة تخصّ الزوجين: من الأسهل التوفيق بين الحياة الأسرية والحياة المهنية إذا كان الأب شريكًا حقيقيًا. لذلك على كل من الزوجين العثور على توازنهم.”
أقرأ أيضا:
فكرة الولادة ترعبني..
باتريك إستراد: “سوف تلد في الألم”، كما يقولون. هناك في الواقع خيال جماعي كامل حول الولادة وكأنها طقس من الطقوس. ومن وجهة نظر نفسية، نفسر هذا الألم من خلال حقيقة أنه عندما يولد الطفل، فإن الأمّ تفقد تلك الوحدة التي كانت تشعر بها خلال الحمل فتعاني من جراء ذلك. ولكن يبقى من المحرمات القول إننا نخشى الولادة. اسألي نفسك سؤالا بسيطا: لقد مرّت جميع النساء منها وسوف تمرّ، لماذا أنا لا؟ ومع ذلك، إذا كان هذا الخوف يمنعك، فمن المهمّ أن تكوني قادرة على التحدث عن ذلك. لكن علينا أن نجد الأشخاص المناسبين: أولئك الذين سيعطوننا وجهة نظر إيجابية، والذين يعرفون كيف يستخدمون الكلمات التي ستخفف علينا، وليس الجار الذي سيخبركم كيف أن شقيقته عاشت العذاب الأليم أثناء الولادة… وفي بعض الأحيان أيضًا، يعود هذا الخوف إلى قصص عائلية تنتقل من جيل إلى جيل أو إلى صور الولادة شاهدتْها وهي صغيرة.. وهذا يرسخ بالذاكرة. على أية حال، من الجيّد طرد هذه المخاوف بقوة وعزيمة.”
زوجي غير مهتمّ
“أسأل نفسي الكثير من الأسئلة قبل الأخذ بزمام المبادرة، لكن زوجي أبطأ مني بكثير.. بل غير واع بذلك بالمرة..”
باتريك استراد: “لا أعتقد أنه لا يهتم. لكنّه ببساطة، لا يتبع نفس الإيقاع مثلك، وهو ليس في نفس الوقت في المكان نفسه الذي أنت فيه؛ نقطة الوصول والمغادرة متشابهة بينكما، لكنّ المسار مختلف. وهذه الفجوة بينكما ليست بالضرورة علامة عدم الاهتمام من جانبه. قد يستغرق استيعاب هذا الموضوع من جانبه بعض الوقت فقط لأنه لم ينضج عنده بما فيه الكفاية. علاوة على ذلك، فإن الرجل يشعر بالأشياء بشكل مختلف. إلى حدّ ما، يظل وصول الطفل بالنسبة للرجل شيئًا مجردا نوعًا ما، على عكس المرأة التي تعيشه في جسدها. من ناحية أخرى، يمكن لوالد المستقبل أيضا أن يكبت مشاعره لأن احتمال وجود طفل في حياته يخلط الأشياء لديه على مستوى اللاوعي. امنحيه الوقت واحرصي على ألا يضغط الكثير من القلق على نفسك.”
هل سأكون أمّا جيدة؟
باتريك إستراد: “يمكننا فقط أن نأخذ مقولة وينيكوت Winnicott الشهيرة: “الأمّ الجيّدة بما فيه الكفاية”
كونُ الأمّ جيّدة بدرجة 12 أو 20/13 هو أمر جيّد! أمّا عندما يكون الهدف هو 20/20 فذاك لا جدوى منه، ويمثّل خيبة أمل. إرادتك أن تكوني أمّا جيدة جدًا، تجعل منك امرأة مستبدّة، ويجعلك تنقلين الكثير منها إلى طفلك. وعلى أي حال، فإن الأمّ المثالية غير موجودة! ولكيْ تكوني أمًا “جيدّة”، عليك فقط أن تحبّي طفلك وتشجّعيه. وهذا هو الأساس.”
ــــــــــــــــــــــــــــ
إقرأ أيضا: هل ينفر طفلك من المدرسة؟ هذا المقال لك