أرض العشاق

    يُقام موسم إملشيل كل عام بعد فترة الحصاد، في منطقةٍ جبليةٍ ساحرةٍ، تقع قلب جبال الأطلس الكبير، على ارتفاع 2220 متراً، جنوب شرق المغرب، وبالضبط في قرية بإقليم ميدلت، اسمها إملشيل. ويسمى أيضاً بموسم سيدي أحمد أو المغني (وهو أحد وجهاء قبيلة آيت حدّو). ومن مميزات هذه القبائل أن كل سكانها من الأمازيغ، ويعتمدون في حياتهم على العمل في مجالي الزراعة وتربية الماشية.

الأصل التاريخي

    تختلف الآراء حول السبب الرئيسي الذي أدى إلى تنظيم موسم الخطوبة بتلك المنطقة، من دون غيرها من مناطق المغرب الأخرى. ويُرجَّح أن سبب إطلاق الموسم، يعود إلى رغبة المنطقة في التكفير عن خطئها عندما مَنَعَ خِلافٌ بين قبيلتين، تـزويـج شابٍّ من قبيلة ’’أيت إبراهيم‘‘ بشابةٍ من قبيلة ’’أيت يعزو‘‘. خِلافٌ دفعَ الحبيبين إلى اليأس، واختيار نهايةٍ مأسويةٍ، بإغراق نفسيهما في بحيرتين متجاورتين، قريباً من إميلشيل. وهكذا أنهى الحادث خلافات دامت عشرات السنين، واصبح يقام لهما موسماً لتخليد ذكراهم.

أسطورة العشق الممنوع 

    تحكي الأسطورة قصة الشاب ’’موحى‘‘ والشابة ’’حادة‘‘، أحبّا بعضهما. لكنّ الحبيبان ينتسبان إلى قبيلتين على عداءٍ فيما بينهما، بسبب مشاكل الرّعي والسّقي، وهما قبيلة ’’أيت ابراهيم‘‘ وقبيلة ’’أيت يعزو‘‘، فعارضتا القبيلتان زواجهما. حزنت جداً الشابة ’’حادة‘‘ وحبست نفسها في غرفتها، وعندما يئست وأدركت أن زواجها بحبيبها بات مستحيلاً، أغرقت نفسها في بحيرة قريبة. فاجعة موتها ما إن بلغت إلى علم ’’موحى‘‘، حتى أغرق نفسه في بحيرة مجاورة للبحيرة الأولى.

ولإتمام اسطورة العشق الممنوع، سميت البحيرة الأولى ’’تسليت‘‘ بالأمازيغية، ومعناها  ’’العروس‘‘، وسميت الثانية ’’إيسلي‘‘ بمعنى ’’العريس‘‘. ولم تتوقف الروايات التي رافقت أسطورة البحيرتين، والتي تروي أشهرها أن الحبيبين قد بكيا حتى امتلأت البحيرتان بدموعهما، ومن ثم أغرق كل واحد منهما نفسه في دموعه.

اقرأ أيضا: طبق الطنجية المراكشية

أصل البحيرتين

    بعيداً عن الأساطير، أجريت عدة أبحاث على بحيرة “إيسلي”، التي تبعد عن شمال إملشيل بـ 8 كيلومترات، و”تسليت”، المتواجدة على بعد 10 كيلومترات، شمال شرق “إملشيل”، من طرف فريق من علماء جامعة ابن زهر بمدينة أكادير، والتي تُصنّفُ مختبراتها في مصافّ الدول الرائدة في البحث العلمي.

اكتشف فريق العلماء على أن البحيرتين فوهتان نيزكيتان، نتجتا منذ 40 ألف سنة تقريبا، اثر سقوط نيزك يقدر قطره بـ 120 مترا، في حدث كوني هائل، فجر طاقة أكبر من تلك المنبعثة من مجموعة من القنابل النووية.

التكفير عن الخطأ

    من أجل التكفير عن وزر قديم، قررت القبيلتان أن تجمعهما علاقة مصاهرة دائمة، وأصبحت قصة الحبيبين ذكرى سنوية في موسم إملشيل. وهكذا، وقبل بداية كل موسم، وبتشجيع من أهالي المنطقة التي أصبحت تقدس الحب، يقوم الشباب باختيار العروس، وتحضير مستلزمات الزواج.

يتم افتتاح الموسم باستعراض تقدمه الفرق الفلكلورية المحلية، التي تعكس المميزات الثقافية والتراثية للمنطقة، و يتم نصب خيمة بربرية، يقصدها العِرسان بملابسهم التقليدية لعقد القران، ويقوم العريس بتقبيل يد عروسه كنوع من التقدير والاحترام لها، وكشكلٍ لردِّ الاعتبار للمرأة، وتقديرها أمام الحاضرين في هذا الموسم.

أعراس وتقاليد

    يُـبْدِينَ نساء المنطقة اهتمامهن بكل ما يتعلق بالجمال، وهو شيء طبيعي في منطقة تجمع أصول الحب والجمال. ويتكون لباسهن من «الحندرات»، وهي عبارة عن معطف صوفي محتشم أزرق اللون تكسوه خطوط بيضاء، أما «تقيوعت»، فترتديه حديثات العهد بالزواج، وهي عبارة عن قلنسوة فوق الأكتاف والرؤوس، ويضعن حزاماً يتلألأ مع نور الشمس، ليعكس فرحتهن العارمة بانتصار الحب على العداء، الذي كان في يوم الأيام سبباً في انتحار شابين من أبناء المنطقة.

وفضلاً على أن موسم إملشيل، يقدم فرصة لأهل المنطقة لتقريب ما أبعدته ظروف الحياة ومشاغل العمل، ولإصلاح ما أفسدته الضغوط اليومية، لتتصافى النفوس وتتعانق القلوب، فإن الموسم هو أيضاً فرصة لشباب المنطقة الرحّل والهائمين في الجبال طيلة السنة، للالتقاء والتعارف والتقرب من بعضهم البعض، بهدف العثور على شريك الحياة وعقد القران في الموسم المقبل.

أعراس وسياحة

    موسم إملشيل الذي تختلط فيه العادات بالتقاليد والأسطورة بالحقيقة، وتتجه نحوه قلوب العشاق وفضول السياح المغاربة والأجانب، توليه الحكومة المغربية اهتماماً خاصاً، فيقام له مهرجانا فلكلورياً وموسيقياً كبيراً، حيث يتم تنظيم مجموعة من الأمسيات الفنية، التي تَعرِف مشاركة فرقٍ موسيقيةٍ أمازيغيةٍ محليةٍ، جهويةٍ ووطنيةٍ، وعددٍ من الأنشطة الفنية والثقافية، ومسابقاتٍ لتجويد القران الكريم.

اقرأ أيضا: الطوارق أو الرجال الزرق الملثمون

اليوم، تحظى منطقة إملشيل بشهرة عالمية، نظراً لما تزخر به من أصالةٍ وتقاليد عريقةٍ، إضافة إلى مؤهلات طبيعيةٍ جبليةٍ، وقربها من مضايق ’’تودغا’’، محجّ متسلقي الجبال في شمال إفريقيا، مما يجعلها مقصداً لعشاق المغامرات، ومُحبّي ركوب الدراجات في الجبال، دون إغفال سحر البحيرتين ’’إسلي‘‘ و ’’تسليت‘‘ اللتين كونتا قاعدةٍ سياحيةٍ كبيرةٍ للمنطقة.

 

بحيرة ’’إيسلي‘‘

أعراس وتجارة

    يوافق موسم إملشيل فترة انتهاء الموسم الزراعي، ويقام له سوق تقليدي كبير، تُشدُّ إليه الرّحال من كل صوب وحدب. هذا السوق الذي يعتبر فضاءً تجارياً واقتصادياً رائجاً للمنطقة، يَعْرِضُ فيه السكان منتجاتهم من السجاد اليدوي والمحاصيل الزراعية والمنتجات التقليدية والحرفية، بالإضافة إلى الأزياء التقليدية الجميلة التي تتميز بها المنطقة، من محايك “تسبنيت” و”تحنديرت” وحلي فضية، وبعض أجزاء اللباس الرجالي من قبيل العمامة والقلنسوة. يتوافد على هذا السوق أيضاً عدد كبير من تجار التوابل والملابس ومربّي الماشية، إضافة إلى بائعي الخضروات واللحوم والفواكه الجافة والأفرشة التقليدية المنسوجة من صوف الغنم والماعز والأواني الخزفية، مما يجعله قبلة لسكان المنطقة والسياح المغاربة والأجانب.

ـــــــــــــــــــــــــــ

اقرأ أيضا: إيبيريا.. حيث حضارة الأندلس شامخة

Tags:

سجل دخول بمعلومات حسابك

Forgot your details?