هناك على ارتفاع مايقرب من 1050 متر على قمة جبل بني عوف شمال عمان بالمملكة الأردنية، تقع قلعة عجلون، أو كما يحبون أن يطلق عليها قلعة صلاح الدين، هذه القلعة التي كانت ومازالت تمثل شاهداً تاريخياً حياً على انتصارات المسلمين في العديد من المعارك، بحكم موقعها الذي يتوسط بلدان المشرق والمغرب العربي، كما كانت أيضاً المكان الذي تم فيه العديد من مشاهد الحملات الصليبية التي استهدفت بلاد المسلمين في القرن الثاني عشر الميلادي، وكان لها دوراً عسكرياً مهماً في المعارك، يتمثل في رصد تحركات الفرنجة وتنقلاتهم، إلى جانب السيطرة على مناجم الحديد التي اشتهرت بها جبال عجلون.

 بناء قلعة عجلون

بناها القائد  عز الدين أسامة (ابن اخو صلاح الدين) أحد قادة صلاح الدين الأيوبي سنة 1184م (580 هجريلتكون نقطة ارتكاز لحماية المنطقة، والحفاظ على خطوط المواصلات وطرق الحج بين بلاد الشام والحجاز، لإشرافها على وادي الأردن، وتحكمها بالمنطقة الممتدة بين بحيرة طبريا والبحر الميت.

اقرأ أيضا: المغرب بلد الجمال والطبيعة الفريدة

الهدف من بنائها

كان الهدف من بنائها هو الحيلولة دون انتشار القوات الصليبية في منطقة عجلون، ولحماية الطرق التجارية مع دمشق وشمال سوريا من تدخل الفرنجة، ومنعهم من أي توسع في المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن.

وبنيت القلعة على شكل شبه مربع، وتتوزع أبراج المراقبة على زوايا البناء حيث يوجد أربعة أبراج، كل برج يتكون من طابقين. وبعد معركة حطين أضيف برجان يقعان إلى يمين البرج الجنوبي الشرقي، بناهما القائد أيبك بن عبد الله، ويوجد بهما متحف داخل القلعة، يحتوي العديد من القطع الأثرية الرائعة. كما يوجد في جدرانها السميكة فتحات موزعة لرمي السهام.

وما يزيد من جمالها أنها صممت لتبقى، فهي تضم ممرات كثيرة وبئر مياه، وتتوزع القذائف الحجرية الكبيرة والمستديرة في جنباتها لمهاجمة العدو به، حيث تكثر الدهاليز والممرات الضيقة في القلعة، وفيها القاعات الفسيحة التي كانت منامات للجند وإصطبلات لخيول الأيوبيين، إضافة إلى آبار المياه التي تتسع لآلاف الأمتار المكعبة من مياه المطر.

زالزال يضرب القلعة

ضرب القلعة زلازلاً مدمراً في عامَي 1837 و1927، إلا أنها بقيت صامدة لتكون شاهداً حياً على عبقرية الهندسة العسكرية الإسلامية. فقد أكسبها موقعها على أعلى قمة جبل بني عوف ميزةً استراتيجيةً فريدةً، حيث يحيط بها خندق عميق، يبلغ متوسط عرضه 16 متراً، يتراوح عمقه بين 12 و15 متراً، كان يُستخدم لجمع المياه، وكحاجز منيع يصعب اقتحامه؛ فضلاً عن البوابات المحصنة، والأبراج العالية، التي شكلت موقعاً فريداً للمراقبة والدفاع.

إعادة بناء القلعة

وفي منتصف القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، قام الملك صلاح الدين يوسف صاحب حلب ودمشق، بتجديد واعادة بناء البرج الشمالي الشرقي، وبعدها مباشرة، تمكن المغول من دخول القلعة في سنة 1260م .

إثر انتصار المماليك على المغول في معركة عين جالوت، قام السلطان الظاهر بيبرس باعادة بناء القلعة وتنظيف خندقها، ثم جعل منها مستودعاً للغلال والمؤن، وعين الأمير عز الدين ايبك والياً عليها ،الذي قام بدوره في تجديد بعض أجزاء القلعة.

في العصر العثماني، اقيمت في القلعة حامية مؤلفة من خمسين جندياً. وفي خلال الربع الاول من القرن السابع عشر، استخدمها الأمير فخر الدين المعني الثاني، في صراعه مع احمد بن طرباي، فوضع فيها حامية وزودها بالمؤن والعتاد.

اقرأ أيضا: ماليزيا .. حيث الطبيعة الساحرة لآسيا الحقيقية

وعندما زارها الرحاله السويسري بير كهارت سنة (1882)، كانت القلعه لاتزال مأهولةً، ويقيم فيها حوالي اربعين شخصاً من عائلة بركات.

قلعة عجلون في العصر الحديث

أما في الوقت الحاضر، فقد غدت قلعة عجلون، التي تعد من القلاع الإسلامية التاريخية في الأردن، محجاً سياحياً لأهل البلاد وللسياح العرب والأجانب. وباتت متنفساً للعائلات الأردنية، ومكاناً لقضاء السهرات. وإذا صعد الزائر أعلاها يتحرق شوقاً حينما يطل بناظريه على جبال القدس، حيث يوجد أعلى القلعة خرائط مبيناً عليها اتجاهات للمدن الفلسطينية القريبة، مثل جنين ونابلس والقدس، التي يمكن رؤيتها من أعلى سطح المبنى باستحدام المكبرات، كذلك اتجاهات لبحيرة طبرية وهضبة الجولان.

وبهدف إحياء مكانة القلعة التاريخية، تقيم السلطات الأردنية فيها نشاطات ثقافية، تتنوع بين المسرح والفنون الشعبية والندوات ومعارض الخزف، والمشغولات اليدوية من منحوتات وفخاريات ورسومات، ورسم على الزجاج والمرايا وتنسيق الزهور والنحاسيات.

فيما يتعلق بالمتحف الموجود داخل القلعة، أصبح يحوي العديد من القطع الاثرية. وتؤمه أعداد كبيرة من الزوار. وإلى جانب الدور التاريخي لها، باتت القلعة متنفساً للعائلات الأردنية في أوقات المساء، ومكاناً لقضاء سهرات جميلة.

ـــــــــــــــــــــــ

اقرأ أيضا: تركيا.. جوهرة من جواهر العالم

Tags:

سجل دخول بمعلومات حسابك

Forgot your details?