كنت بمر بفترة مادية صعبة جداً، لدرجة أني كنت رايح أقعد مع واحد صاحبي على القهوة، وعارف أنه هيحاسبلي، لأني معيش فلوس كوباية الشاي الي هشربها..
صاحبي ده كان شخص قريب مني جداً.. كان مفيش بينا فرق، عمرنا ما اتكلمنا في حساب أو فلوس، الي معاه هيحاسب على القهوة، القريب من المطعم هو الي هيجيب أكل، الي هيطلع الفلوس الأول في المواصلات هو الي هيدفع، مفيش مرة حدّ فينا قال للثاني حساب..
الفترة دي كان ليا فلوس شغل متأخرة، وفعلاً كانت حياتي واقفة علي الفلوس دي ومعيش غيرهم، وقعدت حكيت لصاحبي قد إيه الدنيا مزنقة معايا جداً، وأني محتاج فلوس الفترة دي علشان أقدر أتحرك وأجيب فلوسي، أنا قاعد في مكاني مش عارف أعمل حاجة، لأني حتى مش معايا فلوس أشحن رصيد أو أركب مواصلات علشان أجيب فلوس شغلي..
لقيت صاحبي بيقولي: طيب ما تبيع قزازة برفيوم من الي كنت جايبهم من شهرين! مش عندك واحدة مقفولة لسه!!
صاحبي كان معايا وقت ما اشتريتهم، كانت القزازة بـ 850 جنيه، ردّي عليه كان الطبيعي أني مبعرفش أبيع حاجة أنا شاريها لنفسي، وبعدين مين هيشتريها مني وأنا مزنوق في الوقت..
ردّ وقالّي: هاخدها أنا، شوية ونروح البيت، أجيب فلوس وأنت تجيبها وهشتريها منك، وافقت وكان مفيش حلّ تاني قدامي.
شوية وروحنا فعلاً، جيبت قزازة البرفيوم وادّيتها لصاحبي، طلع 400 جنيه وادهوملي، بصّيت في الفلوس وبصّيتله، أنا متأكد أنه فاكر سعرها وقت ما اشتريناها، بس فهمت، ولأني كنت محتاج الفلوس سكت، وكانت صدمتي في صاحبي كبيرة، وكان أول حاجة اعملها أني روحت فكيت الفلوس، وقولتله طيب امسك بقي حق الشاي الي شربته على القهوة…
الدنيا ظبطت معايا، ورجع معايا فلوس، وحاولت مخسرش صاحبي، بس بقيت قليل جداً في التعامل معاه، بقيت لما نقعد علي القهوة أتعمد أقوم أحاسب أنا، وبقيت برفض أنه يحاسبلي علي أي حاجة، ودايماً لما كنت أعمل كده، كان بيبتسملي ابتسامة مبفهمش معناها ومهتمتش أسأله..
يوم عيد ميلادي اتصل بيا وقالي عايز أقابلك ضروري، نزلت وقابلته، لقيته بيديني شنطة هدية، وبيقولي كل سنة وانت طيب!! في الأول رفضت آخدها منه، كنت حاسس أني مش متقبل منه حاجة، ومكنتش لاقي طريقة شيك أرفض بيها الهدية، لحد ما هو الي فتح الشنطة، وطلعلي الي جواها، وكانت قزازة البرفيوم الي اشتراها مني بنص تمنها من شهر..
ابتسملي نفس الابتسامة بتاعته قبل ما اتكلم وقالي: علي فكرة أنا مكنش معايا غير الـ 400 جنيه، ولأني عارفك كويس.. عارف أنك مستحيل هتوافق تستلف مني فلوس، ومحبتش أحرجك وألحّ عليك أنك تاخدهم، لأني عارف أنك عنيد وهتتعبني ومش هتاخدهم، مكنش قدامي غير الحلّ ده ..
من وقتها وأنا بقي كل حاجة في حياتي أشوفها بمليون طريقة، أوقات كثير ناس بتعمل فينا الخير بحسن نية واحنا بنشوفه شرّ، أوقات كتير سوء الظن بيتحكم فينا من غير ما نحسّ، اتضايقت جداً من نفسي، لأني طول الشهر ده كنت ببص لصاحبي علي أنه شخص استغلالي، كان أي حاجة بتحصل منه بشوفها بطريقة ثانية، كنت شايف أفعاله ديماً بجزء أسود اترسم جوة عقلي، لحدّ ما فوقت على أني أنا فعلاً الي كنت وحش معاه، وأن كل الي عمله معايا كان نوع من جبر الخواطر.. كنت شايف أن فضل مني أني سيبته في حياتي بعد الموقف ده، واكتشفت بالصدفة أن كان فضل منه هو أنه استحملني كل الوقت ده..

عرفت وقتها.. ليه ربنا خلي جبر الخواطر عبادة!

ـــــــــــــــــــــــــــــ
Tags:

سجل دخول بمعلومات حسابك

Forgot your details?